✦ تولستوي الذي رأى الله في حبة قمح
تولستوي لم يكن مجرد روائي، بل فيلسوف روحاني يرى في البساطة طريقًا للحقيقة. نظرته إلى العالم كانت كمن يقف خارج الزمن، يراقب البشرية بمحبة وشفقة. كتب: “إذا أردت أن تكون سعيدًا، فكن”، وكأنّه يدعونا لأن نخلع عبء الحياة ونمشي حفاة في حقول المعنى.
✦ عبقرية الرواية في “الحرب والسلام”
ليست روايةً فقط، بل مرآة هائلة تعكس التاريخ والقدر والبشر. في “الحرب والسلام”، تساءل تولستوي: من يقود العالم؟ القادة؟ أم تلك القوى الخفية التي تمشي بلا اسم؟ هنا يتجلى سؤاله الوجودي الأبدي: هل نحن أحرار؟ أم مجرّد بيادق في رقعة الزمن؟
✦ آنا كارنينا، رواية القلب الذي تمرد
قصة خيانة؟ نعم. لكن أعمق من ذلك، هي رواية الإنسان الذي ينكسر عندما يطلب الحب في مكان لا يحتمله. آنا لم تكن امرأةً ساقطة، بل روحًا تبحث عن الأمان في حضن المستحيل. الرواية تقول لنا: أحيانًا الحب يقتل، لأن العالم لا يتسع له.
✦ رحلته من الأرستقراطية إلى الزهد
تولستوي بدأ كنبيل غني، وانتهى بملابس الفلاحين. رفض الكنيسة، ورفض القوانين، ورفض إرث عائلته. آمن أن الطريق إلى الله يمرّ عبر العمل اليدوي، والصدق، والتواضع. حياته كانت دعوة مفتوحة للثورة ضد الزيف، حتى في أكثر أشكاله قداسة.
✦ موقفه من الدين والكنيسة
آمن بالله، لكن كره الكنيسة. رأى أنها احتكرت الإيمان، وكمّمت أفواه البسطاء. كتب: “كل الطقوس لا تعني شيئًا إذا لم يكن القلب نقيًا”. طُرد من الكنيسة، لكنه بقي أقرب لله من كثير من الكهنة.
✦ تولستوي والموت: حين نادى النهاية بنفسه
قبل موته، هرب من قصره في الليل، بحثًا عن “مكان يموت فيه بسلام”. وكأن النهاية لم تكن هروبًا بل عودة إلى النبع. في رسائله الأخيرة كان يقول: “أشعر أن الموت قادم، وأرحب به كصديق قديم طال انتظاره”.
✦ لماذا نحب تولستوي حتى اليوم؟
لأنه كتب عن الإنسان، لا عن الأحداث. لأنه جعل من الرواية مرآة لداخلنا. لأنه لم يكتفِ أن يكون كاتبًا، بل أراد أن يكون ضميرًا حيًا، يوقظ العالم كلما غفا.
✦ بين تولستوي ودوستويفسكي: صمت وفوضى
دوستويفسكي يبحث في الجحيم، بينما تولستوي يبحث عن النور. الأول يغوص في الجنون، والثاني يصلي للفجر. كلاهما عبقريان، لكن واحدًا يصدمك، والآخر يحتضنك.
✦ ترتيب أعماله المهمة
- الحرب والسلام (1869): موسوعة روحية وتاريخية.
- آنا كارنينا (1877): الرواية التي مزّقت قلب العالم.
- البعث (1899): رواية توبته العظمى، ورفضه للقانون والكنيسة.
- موت إيفان إيليتش (1886): قصة الموت الصامت الذي نخشاه جميعًا.
- ما الفن؟: كتاب فلسفي عن دور الجمال في خلاص الروح.
✦ تولستوي في وجداننا العربي
ترجمته إلى العربية كانت حدثًا فكريًا، وقراءته صارت طقسًا. كل قارئ عربي يشعر أن في كلماته حنينًا مألوفًا، وجرحًا نعرفه. لأنه كتب عن الإنسان، والإنسان واحد في كل اللغات.