لأن الكتب لا تُقرأ فقط، بل تُعاش… هنا أدوّن رحلاتي داخل العوالم الرقمية.

jetaime
(مساحتك الآمنة للقراءة)

البحث

الأحد، 20 يوليو 2025

هاروكي موراكامي: الحياة كما تراها الأرواح الوحيدة

 



في عالم الأدب، هناك من يكتب لنحيا في الحقيقة، وهناك من يكتب لنحيا في الحلم. هاروكي موراكامي ينتمي للصنف الثاني. هو الكاتب الذي لا يصف الواقع كما هو، بل كما يُشعَر به حين نكون وحيدين، متأملين، أو تائهين في أعماق أنفسنا.


❖ لماذا موراكامي؟


لأنك لا تخرج من كتبه كما دخلت. هو لا يمنحك أجوبة، بل يتركك تسبح في الأسئلة. لا يعلو صوته في الرواية، بل يهمس لك، كأنك الوحيد الذي كتب له هذا النص. معه، تغدو الغرابة طبيعية، ويصبح المستحيل جزءًا من الحياة اليومية. يكتب عن القطط، وال井 (الآبار)، والنساء الغامضات، والجاز، وكأنه يكتب عن الوحدة التي نخفيها.


❖ كتب موراكامي بترتيب التأثير لا الشهرة


تبدأ معه من حيث تريد، لكنك لا تبقى كما كنت. لكل كتاب أثره الفريد، ولكل قارئ بوابته الخاصة لعالمه. وهذا ترتيب قد يُلهم من يبحث عن طريقٍ إليه:


  1. كافكا على الشاطئ (السؤال الكبير عن الهوية والمصير).
  2. الغابة النرويجية (الحب، الموت، والهشاشة).
  3. 1Q84 (الواقع المزدوج، والبحث عن الحقيقة).
  4. سبوتنيك الحبيبة (الحنين والعجز عن الفهم).
  5. نهاية العالم والعالم القاسي (الانعزال الكلي والتصالح الداخلي).



كل كتاب هو نفق سري لعالمك الداخلي، يمر من خيالك، ويصل إلى شيء دفين فيك.


❖ اقتباسات علّمتني معنى الغربة


“كل ما يحدث، لا بد أنه حدث من قبل.”

“أن تكون وحيدًا لا يعني أن تكون غير محبوب.”

“أشياء كثيرة تضيع للأبد، والوقت لا يُعيد شيئًا.”


عبارات موراكامي لا تُصدم، بل تتسلل بهدوء، ثم تكتشف أنها تسكنك. هو يكتب كما يفكر الغريب في آخر الليل، حين لا يكون هناك أحد ليسمعه.


❖ شخصيات موراكامي… غامضة مثلي ومثلك


ستقابل كافكا الصامت، تامورا الهارب، آومامي القاتلة التي تخبئ طفلة بداخلها، وتينغو الذي لا يعرف لماذا يكتب لكنه لا يستطيع التوقف.

شخصياته لا تُفهم فورًا، ولا تُشبه أحدًا، لكنها تشبه شيئًا في داخلك لا تعرف اسمه.


❖ لماذا لا يُعجب النقّاد التقليديين؟


لأن موراكامي لا يكتب بـ”الطريقة الصحيحة”. لا يتبع قواعد الحَبكة المحكمة، ولا يهتم بـ”الرسالة”، بل يصنع عوالم تنبض بالحس أكثر من العقل.

إنه كاتب الروح، لا كاتب المنطق. ولأن لغته ناعمة وخفيفة، يُظن أحيانًا أنها بسيطة، لكنها في حقيقتها كالماء: شفافة، لكن بلاها نموت.


❖ لماذا يبدو سهلًا لكنه معقد؟


لأن كلماته ناعمة، لكن معانيه حادة. تبدأ القراءة وكأنك تدخل قاعة موسيقى هادئة، ثم تكتشف أنك في متاهة من الأحلام، والماضي، والمخاوف. أسلوبه كأنه “محايد”، لكنه يمزقك بهدوء. قليل من الكتّاب يجيدون أن يُشعروك بالخذلان والطمأنينة في الفقرة نفسها.


❖ ماذا تعني “الواقعية السحرية”؟


هي طريقته في شرح أعمق الأشياء من خلال ما لا يُشرح.

تتكلم قطة، تختفي فتاة، يدخل البطل بئرًا ولا يخرج كما كان. هذا ليس خيالاً للهرب من الواقع، بل هو عدسة تكشفه.

موراكامي يجعل اللامعقول معقولًا، لأنك – كقارىء – تعرف أنه لا يصف الخارج، بل الداخل.


❖ موراكامي والموسيقى


كل رواية له تصحبها موسيقى. الجاز، الكلاسيك، الروك. كأن الموسيقى شخصية أخرى في عالمه.

حين تقرأه، تشعر أنك تسمع بينما تقرأ. بعض المشاهد مكتوبة وكأنها إيقاع لا كلمات. وربما لهذا، كثير من قرائه يعيدون القراءة فقط ليستمعوا.


❖ لماذا نعود له رغم الحزن الذي يُحدثه؟


لأنه يُشعرنا أن الغربة التي نحسها لا تخصنا وحدنا.

لأنه يمنحنا شجاعة الشعور، دون إجبارنا على فهم كل شيء.

لأنه يقول لك: “من الطبيعي أن تشعر بأنك لا تنتمي، لكن لا بأس، فهناك آخرون يشعرون بذلك أيضاً.”


❖ موراكامي ليس كاتبًا فقط، بل مرآة شفافة


من يقرأه ليجد معنى، سيضيع.

من يقرأه ليتوه، سيجد نفسه.

كتبه ليست جُملًا محفوظة، بل حالات نفسية نمر بها.

هو ليس روائيًا يخبرك كيف تعيش، بل صوتًا داخليًا يقول لك: “أنا كنت هناك قبلك، وها أنا كتبت عنك.